Text Size
الجمعة, Mar 29, 2024

ثريا عاصي- 27-04-2016::

أظن أنه يمكننا القول أن أعداء حزب المقاومة اللبنانية "حزب الله" كشفوا في الأشهر الأخيرة، صراحة عن انهم يخوضون حرباً حقيقية شاملة ضده، وأن غايتهم هي تصفيته أو بالأحرى إبادته،

كما لو كان جرثومة تسبب مرضاً معدياً وخطيراً، يُخشى انتشارها في بلاد العروبة أي في البقعة الممتدة على طول السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، من طنجة في المغرب حتى أم قصر في العراق على ضفة الخليج العربي، بالإضافة إلى اليمن .

أعداء حزب المقاومة الذين نفخوا في النفير في الآونة الأخيرة، هم آل سعود والولايات المتحدة الاميركية. الأولون ذهبوا إلى مجلس الأمن الدولي أملاً باستصدار قرار بتوصيف المقاومة اللبنانية "منظمة إرهابية". فلقد أسسوا، كمثل الولايات المتحدة الأميركية، شركة أمنية اسمها "التحالف الإسلامي ضد الإرهاب". صارت شهادات حسن السلوك في هذا الزمان فضلاً عن الأوسمة والإجازات الجامعية العليا، ممهورة بالخاتم الملكي السعودي ! أما الأميركيون، فلقد ضربوا الحصار على المقاومة : عسكرياً ومالياً وإعلامياً. كل خرق لهذا الحصار يـُعرض الأفراد والجماعات والدول المخالفة للمساءلة.

بكلام واضح وصريح لا بد في موضوع المقاومة اللبنانية من أن نأخذ بعين الإعتبار المتغيرات والمتبدلات التي طرأت في مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي . لا شك في أن أبرزها هو أن الأطراف المشاركة فيه جميعاً كشفت أوراقها . صارت، المقاطعة العربية في خبر كان. أو بالأحرى توافق أعضاء مجلس التعاون الخليجي، والحكومة المصرية على إجهاض المقاومة العربية ضد المستعمرين الإسرائيليين. على تطويقها تمهيداً لخنقها ! تجدر الملاحظة هنا، إلى أن الدول الخليجية ومصر حرضت العراق على شن الحرب على إيران، فقدمت له الدعم ثم تخلت عنه، ثم حاربته مع الأميركيين!

مجمل القول، انه سيكون على المقاومة، كشرط رئيسي من أجل بقائها والإستمرار في تأدية دورها دفاعاً عن شعبها وأرضه، أن تصد أعداءها عن مهاجمتها وأن تبطل مفاعيل الحصار المضروب من حولها . كان أعضاء مجلس التعاون الخليحي والحكومة المصرية يكيدون فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الخفاء ويطعنوها كلما سنحت الفرصة، في الظهر . صاروا الآن أكثر جرأة ووقاحة بسبب حالة الإحباط التي تتولى الجماهير العربية، نتيجة لسياسة تفريغ العقول والتهميش والإذلال التي دأبت على ممارستها نظم الحكم تمويهاً لإفلاسها . فعلى المقاومة اللبنانية ان تواجههم، في عقر دارها، ومن أمامها ومن خلفها ومن الميمنة والميسرة.

السؤال المحوري في هذه المسألة هو: من سيقف مع المقاومة اللبنانية في ظل الحصار الأميركي والسعودي؟ من سيلزم الحياد ومن سيتجند في جيش السعوديين من أجل محاربتها؟ بتعبير آخر، من سيتنكر للمقاومة التي حررت الأراضي اللبنانية من المستعمرين الإسرائيليين، بين عامي 1982 ـ 2000 ؟ الإجابة عندي هي ان اللبنانيين لن ينسوا حساباتهم الفئوية والشخصية . على الأرجح ان نصفهم بالإضافة إلى مؤسسات الدولة، سوف يمتثلون للإملاءات الأميركية فيقبلون بمقاطعة المقاومة، ومن المحتمل أن يتجند البعض في الحرب ضدها . لن يقف إلى جانبها إلا قليلون.

مجمل القول، ان المقاومة في لبنان، سوف تكون مضطرة للدفاع عن نفسها ضد جزء من أهل لبنان رغم انها قاتلت المستعمرين الإسرائيليين من أجلهم . أي انه لن يكون باستطاعة اللبنانيين التوافق فيما بينهم، على مسألة وطنية كمثل احتلال التراب الوطني والتحرير، بمعزل عن الإملاءات الأميركية والتأثير السعودي ! مفارقة لا بد من أخذها في الحسبان في أي نقاش محتمل مستقبلي، لمشروع وطني في لبنان!

وما يزيد من غرابة هذه المسألة هو أن الإجراءات الأميركية ـ السعودية سوف تعمّق الأزمة الدستورية في لبنان إلى درجة يستحيل فيها بقاء الحكومة على شكلها الحالي، فضلاً عن استحالة استبدالها بحكومة لا يشارك فيها حزب المقاومة . ينجم عنه انه من غير المستبعد أن يكون القصد من تصعيد الضغوط الأميركية والسعودية هو انهيار الدولة في لبنان، انسجاماً مع المقولة السعودية "لبنان كذبة"، حتى يتسنى للذين يريدون إشعال الحرب ضد المقاومة اللبنانية، إضرام نارها في لبنان، أي في عقر دار المقاومة . فلا يكون لدى هذه الأخيرة مبرر لقصف مواقع المستعمرين الإسرائيليين في فلسطين المحتلة، كون المحاربين ومصدر النيران، في لبنان نفسه ! وليس من إسرائيل مباشرة ! بمعنى آخر، ان الهدف هو إدخال "داعش" وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة إلى لبنان، أو تحريك خلايا هذه التنظيمات النائمة !

من البديهي أن إدارة حرب على المقاومة في داخل لبنان، سوف تكون عملية صعبة ومعقدة جداً بالنسبة للمقاومة . بالمقابل فإن إدارتها ستكون بالتأكيد أسهل على الجانب الأميركي والإسرائيلي!

حاصروا إيران، فصمد الإيرانيون حرصاً على بلادهم إلى أن بدأ الحصار يتساقط، كمثل جدار برلين . حاصروا العراق ولكن العراقيين تنابذوا وقامروا ببلادهم فدخلها الغزاة وقتلوا ودمروا وأحرقوا. حاصروا سورية، ولكن جزءاً من السوريين ومعهم جيشهم العربي السوري، وحلفاؤهم، تصدوا للغزاة وقاوموهم ولا تزال الحرب دائرة، مضت خمس سنوات ! حاصروا المقاومة اللبنانية في تموز 2006، وحاولوا الدخول إلى مناطقها، ولكنهم فشلوا وارتدوا خاسرين.

من نافل القول ان حزب المقاومة لن يستطيع وحده وفي نفس الوقت مواجهة إسرائيل والسعودية ومعاونيهم في داخل لبنان معاً. ولكن يمكنه بالتأكيد أن يجعل انكساره مرتفع الكلفة إلى درجة ليس مقدوراً على احتمالها.

(المصدر:  الديار).

 

مجلة أفكار وآراء - العدد الجديد

 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 192 - عن شهر سباط / فبراير 2024


مجلة (أفكار وآراء) - عدد 191 - عن شهر كانون2 / يناير 2024


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 190 - عن شهر كانون1 / ديسمبر 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 189 - عن شهر تشرين2 / نوفمبر 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 188 - عن شهر تشرين1 / اكتوبر 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 187 - عن شهر أيلول / سبتمبر 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 186 - عن شهر آب / أغسطس 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 185 - عن شهر تموز / يوليو 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 184 - عن شهر حزيران / يونيو 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 183 - عن شهر أيار / مايو 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 182 - عن شهر نيسان / ابريل 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 181 - عن شهر آذار / مارس 2023

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 180 - عن شهر شباط / فبراير 2023

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 179 - عن شهر كانون2 / يناير 2023


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 178 - عن شهر كانون1 / ديسمبر 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 177 - عن شهر تشرين2 / نوفمبر 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 176 - عن شهر تشرين1 / اكتوبر 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 175 - عن شهر أيلول / سبتمبر 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 174 - عن شهر آب / أغسطس 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 173 - عن شهر تموز / يوليو 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 172 - عن شهر حزيران / يونيو 2022


مجلة (أفكار وآراء) - عدد 171 - عن شهر أيار / مايو 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 170 - عن شهر نيسان / ابريل 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 169 - عن شهر آذار / مارس 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 168 - عن شهر شباط / فبراير 2022


 

مجلة (أفكار وآراء) - عدد 167 - عن شهر كانون2 / يناير 2022