لندن - د. أحمد الزين – مقال إفتتاحية مجلة (أفكار وآراء) – عدد 130 – الصادرة في لندن عن الجمعية الثقافية اللبنانية في بريطانيا -31-12-2018:
q يستقبل لبنان عاما جديدا وهو مثقل بإزمات سياسية وملفات خدماتية معقدة تراكمت عبر السنوات التي مضت، ولا يزال الشعب يعاني الامرين في ظلّ غياب العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن، وإنعدام الخدمات المعيشية،
وإرتفاع المعاناة الاقتصادية والبيئية والصحية (حتى باتت أمراض السرطان تفتك بالمواطنين من شدة التلوث)، وإنتشار الفساد والهدر وسرقة المال العام من قبل طبقة سياسية فاسدة فاشلة (متهاونة في تشكيل الحكومة)، وتفشي الرشوة وبيع الوظائف بالمال والواسطة على حساب الكفاءة والخبرة.. هذا غيض من فيض!! والذي استفزه أكثر البطالة والغلاء وثقل المديونيه واستنفاد مدخراته وتهجير شبابه وادمغته، مما دفع فئة من الناشطين الى ارتداء السترات الصفراء للحراك والتظاهر في ساحات العاصمة بيروت آملين ان يحققوا تغييرا وتبديلا كما حققه امثالهم في باريس الغرب، مما حمل بشائر الامل والتفاؤل لغدٍ أفضل.. ولكن الحراك أصطدم بضعف الحضور ومحاصرته سياسيا وعدم مشاركة الاحزاب السياسية الطائفية الكبرى التي تخلفت عن دعمه لحماية مصالح زعمائها ورؤوسائها المرتبطة باجندات حزبية وعائلية وبتغييرات اقليمية.. ولم ينتفضوا لتحصيل حقوقهم رغم المآسي الاجتماعية.. مما اطفىء وهجه واصبح كغثاء السيل فَذْهَبُ جُفَاءًه.. وهذا يدل على مدى تغلغل الطائفية والموالاة الحزبية في عقول أتباع السياسة والزعامة، وعلى مدى الاستعباد والتبعية والصنمية.. ومما ينذر بعواقب وخيمة على مدى إنقسام الشعب اللبناني أفقيا بين المجتمع المدني المحروم المكابد والمجتمع الحزبي المدعوم المحايد..
وهنا يظهر التناقض الغريب من قبل الشعب المقاوم والمحازب الذي انتفض بحماس وأنتصر على العدو الصهيوني والتكفيري، ولم تكرّمه الدولة بمكافحة الفساد وإلغاء الطائفية السياسية، ولم ترفع مستواه المعيشي وتحصين بيئته، ورغم ذلك لم ينتفض بنفس الحماس للقضاء على العدو الداخلي من فساد وظلم وفقر وحرمان وإهمال.. وهذا ليس قدرا مكتوبا بل تسلطا مفروضا وتحكما مكابرا من قبل المسؤولين وزعماء الطوائف والاحزاب.. الذين اوصلوا البلد لمرحلة التدمير الذاتي والى مستوى الدرك الاسفل بكل المقاييس..
ولبناء دولة قوية مدنية عصرية ديمقراطية، لا بد من دمج المجتمع المقاوم والمجتمع المدني معا، لتفعيل قوة الحراك والتظاهر وتوحيد الجهود والرؤى، وممارسة اقسى الضغوطات على الدولة ومسوؤليها لإيجاد الحلول والخطط التنموية والاقتصادية، وإعتماد مجلس الخدمة المدنية في التوظيف على اسس الكفاءة لإدارة مؤسسات الدولة ومكننتها على اسس رقمية باستخدام برمجة الحاسوب وأحدث انظمة الادارة والاقتصاد والقانون، والإقرار بمبدأ تداول السلطة وانتقالها بسلمية وشفافية، وتفعيل الرقابة والمسائلة والمحاسبة، ومراقبة المال العام وطريقة صرفه، وإيقاف الهدر والنهب والفساد والرشوة، ومعالجة الدين العام، ومنع الإثراء الوظيفي غير المشروع، وإعتماد العدالة الدستورية لضمان الحقوق والحريات والمساواة وإحترام التنوع، والقضاء المستقل عن السياسة لمحاسية السياسيين الفاسدين والمتورطين، وان يكون تطبيق القانون والدستور على الجميع – أفراد وزعماء ومسؤوليين واحزاب - دون إستثناء..