عبد الباري عطوان -  27 نيسان / ابريل 2016:

امناقشة سريعة لـ”رؤية” الامير محمد بن سلمان لمستقبل السعودية.. ما هي الايجابيات وما هي المخاطر؟ وهل هي خريطة طريق نحو مستقبل يتم فيه الاستغناء عن النفط؟ وهل جاءت في الوقت المناسب؟ ولماذا لم تُطرح للنقاش؟

 

 

تابعت حديث الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الذي اجرته معه قناة “العربية” مرتين، كما قرأت النص الحرفي الذي نشرته المحطة على موقعها، لكي اتعرف على شخصية الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية هذه الايام، وعاهلها القادم، ورؤيته المستقبلية لبلاده التي يريد من خلالها الغاء الاعتماد على النفط عام 2020، وانشاء صندوق سيادي بقيمة الفي مليار دولار يتولى ريعه الانفاق على البلاد في عام 2030، وتحديثها، وتحويلها الى قوة مالية جبارة .

الرجل بدا واثقا من نفسه، مراجعا لواجبه المدرسي جيدا، ومستعدا لطرح وجهة نظره، والدفاع عن افكاره ورؤيته بجرأة، ولم يتلعثم، او يتردد في الردود على الاسئلة المطروحة، ولا نعتقد ان كون الحديث مسجلا يؤثر على ما تقدم، والا لظهر واضحا في البث، خاصة بالنسبة للعارفين ببواطن الجوانب التقنية التلفزيونية.

ابرز ما جاء في “رؤية السعودية 2030″ هو بيع “اقل” من 5 بالمئة من اسهم شركة “ارامكو” “البقرة المالية الحلوب”، واغنى شركة نفط في العالم، وطرحها للاكتتاب العام محليا ودوليا، لتأسيس الصندوق السيادي، الذي قال الامير عنه، انه سيسيطر على ما نسبة عشرة في المئة من القدرة الاستثمارية في الكرة الارضية.

وكشف الامير بن سلمان لاول مرة ان بلاده هي ثالث دولة في العالم في مجالات الانفاق العسكري، وان “رؤيته” ستعمل على تلبية 50 بالمئة من احتياجاتها العسكرية من مصانع محلية من خلال الزام الشركات الغربية المصدرة بإقامتها كشرط سيثبت في العقود، مثلما تحدث ايضا عن رفع عدد المعتمرين وزوار الاماكن المقدسة (السياحة الدينية)، من 8 مليون معتمر حاليا الى 30 مليونا حتى عام 2030، الامر الذي سيدر دخلا كبيرا على المملكة، وتعهد بتخفيض نسبة البطالة من 11.6 الى 7 بالمئة في غضون بضعة اعوام، وفتح باب السياحة امام جميع دول العالم وفق الاعتبارات السعودية، دون ان يحددها.

***

الرؤية” التي طرحها الامير بن سلمان، واعتبرها خريطة طريق للمستقبل، تبدو “براقة” على الورق، او شاشة التلفزيون، وهو تلفزيونه على اي حال، ومن اجرى المقابلة لم يسأل اي سؤال محرج، وهذا متوقع، ولكن عندما تنتقل هذه الرؤية الى التطبيق العملي، ربما تأتي النتائج مختلفة تماما كـ “رؤية عسكرية” اخرى، مثل “عاصفة الحزم” في اليمن، او الحرب بالنيابة ضد ايران في سورية.

هذه “الرؤية” ربما كان يجب ان تطبق قبل خوض الحروب الحالية، وبما يؤدي الى تعزيز وضع المملكة داخليا، اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، مثلما تظل ناقصة، او بالاحرى غير مكتملة، لانها لا تتضمن اصلاحا سياسيا في الوقت نفسه، وخطة محكمة للتحديث في مختلف القطاعات السيادية، مثل القضاء، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وكان لافتا ان صاحبها، الامير بن سلمان، لم يتطرق مطلقا الى المرأة ودورها فيها، او في المجتمع.

وعندما نقول ان هذه “الرؤية” تأخرت، فاننا نقصد ان طرحها جاء بعد هبوط اسعار النفط الى اكثر من 70 بالمئة، مما ادى، وسيؤدي الى تآكل الاحتياط النقدي (انخفض من 732 الى 611 مليار حاليا)، بسبب العجوزات الضخمة في الميزانية (100 مليار في الميزانية الماضية و87 مليارا في الميزانية الحالية)، والرقم الاخير مرشح للارتفاع.

صحيح ان بيع 5 بالمئة فقط من اسهم شركة “ارامكو” تعتبر نسبة صغيرة، حسب آراء بعض المحللين السعوديين الموالين، ولكن من يضمن انه لن يتم بيع حصص اخرى في المستقبل، في اطار عملية الخصخصة التي تعتمدها “الرؤية” لتوفير مداخيل مالية اخرى لمواجهة الازمة المالية المتوقعة، وضخ التريليونات في الصندوق السيادي المقترح؟

الامير محمد بن سلمان اكد طوال المقابلة على حرصه على الشعب السعودي ورفاهيته، ورسم البسمة على شفاهه، والارتفاع بمستوى معيشته، وهذا امر جيد، ولكن أليس من الواجب طرح هذه “الرؤية” للمناقشة بكل الشفافية التي تحدث عنها، واكد عليها اكثر من مرة، وهناك في المملكة خبراء اقتصاديين من الوزن الثقيل، وبعضهم بات يدرس الاقتصاد ونظرياته في جامعات عالمية، مثل هارفارد، وغيرها، والبعض الآخر اقام امبراطوريات اقتصادية عملاقة.

من حاول التغريد على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذه “الرؤية”، وطرح 5 بالمئة من اسهم شركة “ارامكو”، ولو بشكل خفيف جدا جرى اجباره على التبرؤ من اقواله وحذف تغريداته.. والا.. مثلما حدث مع الدكتور عصام الزامل .. كما واجه الاقتصادي السعودي برجس البرجس الشيء نفسه وجرى اجباره الى سحب مقال له نشره في صحيفة “الوطن” السعودية، وناقش فيه بعض جوانب مشروع التخصيص المذكور، ولكن الشيخ عبد العزيز الطريفي كان اسوأ حظا، حيث تعرض للاعتقال، ومت زال خلف القضبان حتى كتابة هذه السطور، لانه تساءل مجرد تساؤل حول جدول عملية التخصيص هذه.

مجلس الوزراء السعودي اعتمد اليوم “الرؤية” دون اي نقاش لها، اما مجلس الشورى، فربما تعرف عليها اعضاؤه عبر شاشة “العربية”، تماما مثلما كان هذا حال وزراء آخرين.

تصفحت معظم حسابات الكتاب والاعلاميين السعوديين، وكبار العلماء والدعاة على “التويتر” و”الفيسبوك”، والبارزين منهم خاصة، لعلي استنير برأيهم ومواقفهم، ومعلوماتهم، قبل كتابة هذه المقالة، ولكن لم اجد الا قليل القليل، بينما اختار البعض الآخر، وهو الاغلبية، تجنب الموضوع كليا، اما انتظارا لمعلومات اكثر، او ايثارا للسلامة.

***

ما طرحه الامير محمد بن سلمان من افكار ورؤى يستحق المناقشة، لانه على درجة كبيرة من الاهمية والخطورة في الوقت نفسه، خاصة عندما يتعلق الامر بالصندوق الاستثماري السيادي، ويفيد التذكير هنا بما حدث لصناديق سيادية عربية وغير عربية، وما لحق بها من خسائر كارثية، وانخفاض في قيمتها بمقدار الثلث او اكثر، اثناء الازمة المالية التي ضربت الاقتصادات الغربية عام 2008 و2009، ولا نعرف ما اذا كان وضع الامير ومستشاروه هذه الازمة ونتائجها في الحسبان، واتخذوا الاجراءات اللازمة في هذا المضمار، حتى لا تنتهي السعودية بدون نفط ولا عوائد من الصندوق الاستثماري، مثلما قال الدكتور الزامل في احد تغريداته المحذوفة.

ان اول خطوة في هذه “الرؤية”، في رأينا، يجب ان تركز على كيفية القضاء على الفساد وتقليصه الى حدوده الدنيا اذا لم يتأت اجتثاثه كليا، والاطاحة برئيس هيئة مكافحة الفساد، والقول بأن مسألة الفساد مسألة نسبية، كما ورد على لسان الامير محمد بن سلمان في حديثه ربما لا يكفي، فكيف يمكن ان يؤدي رئيس هيئة الفساد واجبه والبلد في معظمه غارق فيه، ووجود “حيتان كبار” غارقين فيه، ومعظمهم من عليّة القوم واهل الحكم؟

 

انها “رؤية” لها ما لها، وعليها ما عليها، ويجب ان تكون موضع نقاش، لان تأثيرها سيمتد الى خارج الحدود السعودية، تماما مثل حروب المملكة الحالية في المنطقة، التي باتت تؤثر بشكل مباشر على شعوبها ومستقبلها، وتعكس تدخلا في شؤونها الداخلية، الامر الذي يحتم علينا، وغيرنا مناقشة كل جوانبها دون تردد.