لندن - د. احمد الزين - ٢٣/١١/٢٠١٧ -

إن حدث إستقاله الحريري رئيس وزراء لبنان من الرياض بالقوة يعتبر حدثا خطيرا، وتدخلا سافرا في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة، ترمي الى زعزعة إستقراره وإثارة الفتنة المذهبية بين أبنائه،

 

 

وتهدف الى شحن النفوس وتحريك الشارع المنقسم على نفسه سياسيا وطائفيا ومذهبيا.. ودفعه نحو إشعال حرب أهلية وفوضى ودمار، لأجل تسهيل عملية التدخل الخارجي، واستدراج العدوان الصهيوني عليه..

ولكن بحكمة وحنكة الرئيس ميشال عون رفض الإستقالة تحت الضغط وهو محتجز، واعتبر هذا عملاعدائيا ضد لبنان، تمسّ كرامة الوطن واللبنانيين. وهكذا أبطل الرئيس عون مفاعيل الفتنة وعكس نتائجها التآمرية الى قضية وطنية حصدت نتائج إيجابية جمع السياسيين واللبنانيين حول موقفه الثابت، أدّت الى تعميق الوحدة الوطنية والشراكة، وتعزيز التضامن، والإلتفاف حول الحريري جعله رمزا وطنيا جامعا، وحالة إنسانية دفعت نحو تثبيت الأمن والإستقرار، وهكذا أنقلب السحر على الساحر.

وهنا لا بد من المقارنة الموضوعية من صميم الواقع السياسي لما حدث ويحدث مع الرئيس الحريري بين لبنان والرياض:

أولا: في الرياض: يعلن الحريري إستقالته من رئاسة الوزراء تحت الضغط والتهديد والإبتزاز المالي والسياسي..

في بيروت: يعلن قبوله التريث في الاستقالة بعد إجتماعه مع الرئيس عون.

ثانيا: في الرياض: يتلو في بيانه أنه سنعمل على قطع يد إيران؟

في بيروت: يصافح الحريري السفير الإيراني في لبنان.

ثالثا: في الرياض: يقول: أينما حلت إيران يحل الخراب والفتن.

في بيروت: يقول الحريري: "همنا الأساسي هو الاستقرار ومصلحة لبنان أولا".

رابعا:  في الرياض: كان وحيدا محتجزا معزولا مخطوفا مقيد الحرية والحركة، طويل اللحية، عابس غاضب مرتبك خائف.. ويعرب عن خشيته من تعرضه للاغتيال، قائلا: لمست ما يحاك سرا لاستهداف حياتي".

في بيروت: حراً طليقاً حفيف اللحية ضحوك مبتسم سعيد مطمئن، ويتجول بحرية وأمان، حيث أستقبل الجماهير والوفود من مختلف المناطق لتعبر عن حبها له، وخاطبهم: "شكرا لكم.. أنا في لبنان أنا في بيروت.. ليشوف اللي بدو يشوف وليسمع اللي بدو يسمع.." وقد التقط مؤخرا صورة "سَلفي" مع الصحافيّين في قصر بعبدا، وقال: "شايفين إبتسامتي شو كبيرة؟".

خامسا: في الرياض: هناك قرارا سعوديا بأخذ لبنان إلى وجهة غير مستقرة وغير واضحة.

في بيروت: قدم جمهور "تيار المستقبل" مشهداً وطنياً رائعاً في الوفاء لزعامته ودورها في الشراكة الوطنية، وبيان "تيار المستقبل": "تريث الحريري في الإستقالة خطوة حكيمة في المزيد من التشاور..".

الخلاصة: في السعودية: عاش الحريري في مملكة عائلة آل سعود تتوارث الحكم جيل بعد جيل ذات نظام ديكتاتوري قمعي (لا إحزاب سياسية) يسيطر عليه الفكر الوهابي التكفيري عبر المؤسسات الدينية المتعصبة، يغيب عنه دور البرلمان والمؤسسات الفعلية والقضاء المستقل والإعلام الحرّ، ذات مجتمع أحادي منغلق يغلب عليه سطوة الامراء والاثرياء ونظام العشيرة، ويغلب عليه ميزات الرجعية والقبلية حيث لا ديمقراطية ولا أنتخابات ولا حريات ولا إعتراف بحقوق الاقليات، ولا بحقوق الانسان والمرأة، ولا حرية معتقد ولا حرية رأي  وتعبير..

� في لبنان: يعيش الحريري في ظل دولة جمهورية برلمانية ديمقراطية، ذات نظام أنتخابي يسمح بتداول السلطة من رئيس جمهورية منتخب الى برلمان منتخب وقضاء مستقل، يفعّل عمل المؤسسات الدستورية، وذات مجتمع تعددي متنوع يتمتع مواطنوه رجالا ونساء بحرية التصويت والعمل السياسي والإنخراط في الاحزاب السياسية، ويحفظ حقوق المرأة، ويصون الحريات وحرية التملك والتعليم الحرّ.. ويحترم حقوق الإنسان والمرأة، ويضمن حرية المعتقد وحرية الرأي والتعبير والإعلام الحرّ..