لندن - د. احمد الزين - محاضرة القيت لمجلس حسين الحميداوي في بغداد - بتاريخ الخميس 22-8-2019:

-- أبتليت البشرية بالارهاب على مدى العصور القديمة والازمنة الغابرة. ويوصف الإرهاب المعاصر بالجريمة وكل عمل غير إنساني يخالف الدين والعقل والمنطق والحضارة، وهو لا دين ولا مذهب ولا وطن له،

 

 

وتتباين تعاريفه طبقا لإختلاف المعتقدات والمنطلقات والسياسات والمصالح وإختلاف انظمة الحكم من المنظومة الغربية والمنظومة الاشتراكية الى المنظومة الإسلامية.

ومعنى الإرهاب لغويا هو الخوف والفزع والرعب. وحاليا تتزعم امريكا المنظومة الغربية التي تتبنى تعريف الإرهاب سياسيا بأنه عمل جنائي يقصد به التأثير على حكومة ما عن طريق الاغتيال او الخطف، بهدف القضاء على الحرية والديمقراطية.. وتعتبر امريكا كل عمل ضد الادارة الاميركية فهو إرهاب، وتصنف المنظمات والحكومات والافراد حسب ما تقضيه مصلحتها، وتضعهم على لائحة الإرهاب اذا رفضوا املاءاتها واوامرها ورفضوا سياساتها الاستعمارية..

نحن نفهم الإسلام بانه دين الله ذو قيمة سامية لتوفير الأمان والسلام للبشرية وتحقيق العدالة في الأرض ونشر قيم الخير والفضائل للإنسانية. لذلك نفسر مفهوم الإرهاب في الإسلام كما ورد في القرآن الكريم: {واعدوا لهم من استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..}. اي معناه الرهبة وإستعمال القوة لإدخال الرعب والفزع في نفوس وقلوب الكفار من اجل ان تكون رادعا لهم من القيام باي هجوم او جرم او عمل محرم، وهو امر محمود ويثاب عليه المسلمون لانه يدفع الضرر والاذى والشرّ عن الناس. وقد شهدنا بان رسول الله محمد صل الله عليه وآله لم يبتدأ حربا ولا قتالا ولا قتلا إلا في سبيل الدفاع عن النفس او في سبيل نشر الدعوة كما أمره الله تعالى، او لرد الظلم والعدوان. وقد قال صل الله عليه وآله: (نصرت بالرعب..) اي نصره الله على الكفار بإدخال الرعب والخوف في قلوبهم.

تاريخيا، اول من أدخل الإرهاب الى عالمنا العربي والإسلامي هم العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة ما بين 1936-1939، حيث كانت عصابات(ستيرن جانج) ومنظمة (الارجوان) الارهابيتين تفجّر القتابل في الباصات وفي الاسواق العربية، من اجل إدخال الرعب والخوف في نفوس العرب والفلسطينين من اجل ان يتركوا بيوتهم وقراهم لهدف استيطان اليهود المهاجرين وإحتلال فلسطين.

-- يتنوع الارهاب بأنواع الاهداف والخطط الموضوعة والاجندات التي قد تصيب دولا وشعوباً واحزابا وجماعات وافردا لا علاقة لهم من بعيد أو قريب بالإرهاب ومنها:

1 - الإرهاب الدولي: الذي يقوم باعمال وممارسات غير مبررة، تمارسها منظمات او دول تستثير رعب الجمهور او مجموعة من الناس لاسباب سياسية او إحتلالية او للهيمنة والسيطرة. وهذا ما قامت به أمريكا وحلفائها في إحتلال أفغانستان والعراق تحت مسمى نظرية الفوضى الخلاقة.

2 - الإرهاب السياسي: هو إرهاب الاستكبار العالمي والقوى الكبرى ضد الشعوب المستضعفة من منطلق القوة والاستبداد وقانون الغاب، وهذا ما قامت به على سبيل المثال الدولة العثمانية ضد الشعوب العربية المحيطة بها، وهذا ما قامت به النازية ضد شعوب أوروبا، وهذا أيضا ما قامت به فرنسا ضد الشعب الجزائري اثناء احتلالها.

3 - الإرهاب الفكري: وهو ما نشهده في السعودية التي تتبنى العقيدة الوهابية والفكر التكفيري التي تحكم بنظرية الحق الإلهي وتعتبر نفسها ممثلاً عن الله، وتكفر كل المخالفين من المسلمين وغير المسلمين وخصوصا الشيعة، وهي تستبيح دماءهم وأعراضهم، وتصدر الفتاوى الدينية بقتلهم وإحتلال اوطانهم وتشريدهم وحتى تسعى الى إبادتهم لو استطاعت الى ذلك سبيلا. لذلك عمل النظام السعودي على دعم التنطيمات الارهابية بالفكر الوهابي والمال والسلاح لغزو الاوطان العربية بكل ما اوتوا من قوة وجبروت لنشر الفكر الوهابي وتحقيق اجنداته السياسية القائمة على تغيير الانظمة والاستبداد الديني.

4 - الإرهاب الاقتصادي: وهذا ما تقوم به امريكا بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي تعاكس سياساتها وترفض املاءاتها، وهذا ما صرّح به وزير إيران ظريف الذي قال بان امريكا تمارس على ايران إرهابا اقتصاديا من اجل تجويع الشعب وتركيعه وإذلاله لتحقيق اهدافا سياسية من أجل ان يجرّ الحكومة الايرانية الى طاولة التفاوض.

5 - الإرهاب العسكري: هو ما قام به حزب البعث العراقي بقيادة الطاغية صدام الذي شنّ حربا عسكريةعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ظلما وعدوانا، وعاونه على ذلك الإرهاب ودعمه عددا كبيرا من الدول الغربية والعربية لانهم لم يبذلوا جهدا في وقف الحرب والعمل على الصلح والتفاوض بل عمدوا على تصدير كل انواع الاسلحة الفتاكة للعراق ومدوه بالمال السعودي من اجل إطالة عمر الحرب التي بقيت 8 سنوات ليقتل المسلمين بعضهم البعض، حيث راح ضحيتها عشرات الالوف من العسكريين والمدنيين مع دمار شامل ودمار البنى التحية للبلدين. وهذا المثال ما استشفيته من محاضرة المؤرخ العراقي دكتور هادي عليوي بتاريخ الخميس 8-8-2019، للمجلس حسين الحميداوي في بغداد.

6 - إرهاب دولة: وهذا ما تقوم به ما تسمى دولة "إسرائيل" الارهابية في تكريس إحتلالها لفلسطين، وما يتبع ذلك من جرائم وحروب ودمار وإمعان في قتل الفلسطينيين بدم بارد.. وهذا يمثل إرهاب دولة لانه يشارك فيه كل القوى العسكرية والامنية والقادة السياسيين والمستوطنين للقضاء على المقاومين وحركات المقاومة من اجل إبقاء عامل التفوق والسيطرة والهيمنة والاحتلال الاسرائيلي.

7 - نظام إرهابي: هو نوع من الحكم الاستبدادي الذي يقوم على قمع الشعب واعتقال أصحاب الرأي والنشطاء السياسيين والعلماء وتعذيبهم وإجراء الاعدامات الظالمة، والقضاء على تحركات الشعب بالقوة التي يطالب بحقوقه المشروعة في المشاركة السياسية، على سبيل المثال ما يقوم به نظام ال خليفة في البحرين من قمع وتعسف واستبداد واعتقال وإعدامات، واخرها اعدامات الشابين علي العرب واحمد الملالي.

8 - إرهاب فردي: وهو يتعلق بالفرد نفسه دون وجود أجندات منظمة تدار من جهات معينة، مثلما يعاني من أمراض نفسية او حقدية او انتقامية مثل ما حدث في ألمانيا بهجوم ميونخ الذي راح ضحيته 9 قتلى من المدنيين، او هجوم الافراد الارهابية من "الذئاب المنفردة" لداعش الارهابية التي تقتل على خلفية عنصرية بسبب التعصف الديني والتطرف والعنف، مثل ما حدث بالهجوم الفردي للإرهابي عبد الرحمن مبسوط وقتله اربعة من القوى الامنية والعسكرية في طرابلس في شمال لبنان في 4-6-2018.

-- إذن نقيض الإرهاب هو المقاومة. لذلك تشكلت المقاومة من جهات حكومية وغير حكومية ونتج عنها محورا مقاوما متآلفا من سوريا والعراق واليمن وإيران وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. على سبيل المثال نتيجة الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، نشأت المقاومة الوطنية (امل) كردة فعل من رحم المعاناة والاحتلال والظلم، ثم تطورت الى صعود المقاومة الإسلامية التي حررت الارض والاسرى في سنة 2000، واوجدت المقاومة الإسلامية معادلة قوة الردع واستراتيجية الرعب (الضربة بالضربة) مع العدو الصهيوني، واستطاعت ان تحقق انتصارا ساحقا على الجيش الصهيوني في تموز 2006، وحطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر، مما ساعد على إعادة أجواء الامن والاستقرار والسلام الى لبنان ليومنا هذا.

كما حققت ولا تزال تحقق فضائل المقاومة الفلسطينية انتصارات عسكرية وإنجازات امنية في صراعها وحربها مع العدو الصهيوني في غزة و القدس والضفة الغربية.

وكذلك فرض الإرهاب الدولي حرب إرهابية كونية على سوريا من قبل التنظيمات الإرهابية من مختلف جنسيات العالم المدعومة امريكيا وسعوديا وقطريا التي احتلت على أثره قسم كبير من الارض السورية، فعملت سوريا قيادة وجيشا وشعبا على مقاومة الإرهاب بمساعدة محور المقاومة الذي اسنطاع من رد العدوان والهجمة الشرسة وتحرير معظم الاراضي والانتصار على الإرهاب.

وكما شن التحالف الدولي بقيادة امريكا والسعودية والامارات حربا إرهابية على اليمن من اجل تغيير تظام الحكم وسرقة نفطه واحتلال الساحل الجنوبي في عدن للسيطرة على الموانئ والتحكم بالملاحة البحرية في الخليج الفارسي، مما نتج عنها قصف للمدنيين والبيوت والمدارس والمستشفيات والمساجد ودمار للبنى التحتية راح ضحيتها عشرات الالوف من القتلى والجرحى، وتسببت باكبر كارثة انسانية في العالم بتفشي المجاعة والامراض. فقامت مقاومة شعبية من الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصار الله بصد قوى العدوان والاحتلال، وطورت قدراتها الذاتية فانتجت الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي ضربت العمق السعودي ومعسكرات الاعداء فأدخلت الرعب والخوف في قلوبهم والهزيمة في نفوسهم، وعملت على صد الهجوم الارهابي بالمقاومة الدفاعية والهجومية، وانقلب السحر على الساحر.

كذلك تعرضت العراق الى غزو نفس المجاميع الارهابية التي دعمتها امريكا ومولتها السعودية والامارات وقطر، والتي احتلت ارضها في الموصل ونينوى والانبار وتفذت جريمة السبايكر الذي ذهب ضحيتها الآلاف من العسكريين، والتي كانت تهدف للقضاء على العملية السياسية التي تقودها الشيعة وعلى الثقافة الاسلامية القائمة على الحرية والديمقراطية والانتخابات الحرة التي تخالف ثقافة دول الجوار الخليجية الاستبدادية القائمة على حكم الملك والامير والسلطان، واستبدالها بالمدنية الديمقراطية الغربية القائمة على الفساد والإفساد والشذوذ الجنسي. فقامت مقاومة شعبية من بركة فتوى السيد السيستاني حفظه الله (فتوى الجهاد الكفائي) التي اوجدت الحشد الشعبي المبارك، الذي كان له الفضل الاكبر بالتعاون مع القوات الحكومية الى استعادة ارضه وطرد الارهابيين والانتصار على الارهاب وتأمين جانب كبير من الامن والاستقرار للعراق، بفضل تضحياتهم ودمائهم وشهدائهم، المنطلقة من بركات الثورة الحسينية الاستشهادية وثقافة أهل البيت عليهم السلام.

-- عمليا، السبيل الوحيد للقضاء على الإرهاب الصهيو-الامريكي والإرهاب الوهابي-التكفيري هو بتطوير قدرات الدولة العسكرية والامنية والسياسية والاقتصادية وبتطوير صناعات الاسلحة الدفاعية الردعية، كما فعلت الجمهورية الاسلامية الإيرانية بالاعتماد على قدراتها الذاتية بإنشاء جيوش عسكرية برية وبحرية والكترونية وتطوير الطائرات الحربية والدبابات والصواريخ الباليستية والدفاعات الجوية والمنظومات الدفاعية والتي استطاعات ان تفرض قوة الردع والرعب مع امريكا بإسقاط طائرتها المسيرة، واستعادة ناقلتها النفطية من بريطانيا، وبذلك تكون إيران بقوة تفوقها ودبلوماسيتها الذكية وصبرها الاستراتيجي قد أبعدت شبح الحرب عنها وعن المنطقة برمتها.

وعلى صعيد الافراد لا بد من تطوير الذات والتذود بسلاح العلم والمعرفة والوعي حتى يشكل سدا منيعا امام الفكر الارهابي وغسل الادمغة بافكار دخيلة خطيرة، والتمسك بالثقافة الاسلامية المستمدة من كتاب الله تعالى وسيرة وتعاليم النبي محمد واهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

-- أذن، الإرهاب مرفوض ومنبوذ ومدان كليا بكل المقاييس الدينية والقانونية والإنسانية والاخلاقية والعقلية والحضارية مهما اختلف المكان والزمان، وتعددت الأسباب، وتنوعت الأهداف، وتباينت المنطلقات والآيديولوجيات، يبقى الإرهاب جريمة ومكافحته وهزيمته مسؤولية وفريضة واجبة..