لندن – د. أحمد الزين – الاربعاء 19-5-2021---

لقد كشف العدوان الصهيوني على غزّة الكثير من المفاجآت والتحولات الجديدة في طبيعة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي حيث أنقلبت المعادلات التقليدية والمعارك الكلاسيكية الى معادلات وقواعد أشتباك جديدة

والى صعود قوة توازن ردع ورعب جديدة لصالح المقاومة الفلسطينية وتآكل قوة الردع الصهيونية. نتناول بإيجاز هذه التغييرات المستجدة بواقعية وموضوعية دون إنحياز الا لمنطق الحقّ ولنصرة المظلوم والمعتدى عليه، ولردع المعتدي الغاصب المحتل.

1- شرارة الحرب.. من يتحمل مسؤولية اندلاع الحرب الظالمة على شعب غزّة وفلسطين هو المجرم نتنياهو وجنوده الذين ارتكبوا غلطة كبيرة لمحاولة إخراج أهالي حي الشيخ جراح بالقدس من بيوتهم وارضهم لتنفيذ سياسات الفصل العنصري والتطهير العرقي المدرجة ضمن خطط مدروسة لتهويد القدس.. كما ارتكبوا خطأ فادحا بمنع المؤمنين المقدسيين من إقامة الصلاة في المسجد الاقصى في شهر رمضان المبارك، وتشجيع انصاره من حزب "الليكود" اليميني المتطرف بخلق بدعة مسيرة "يوم القدس اليهودي" لاقتحام المسجد الاقصى وتدنيسه وانتهاك المقدسات الاسلامية، في تحدي صارخ لاكثر من مليار مسلم في انحاء العالم بإهانة مشاعرهم ومعتقداتهم في شهر الصوم والعبادة.

2- نتيجة هذه الاستفزازات الصهيونية.. هبّ شباب القدس وانطلقت انتفاضة شعبية غاضبة تنديدا بتلك الإهانات ورفضا لممارسات جنوده القمعية والتعسفية بإلقاء قنابل صوتية ومسيلة للدموع داخل حرم المسجد الاقصى، وتدنيسه باحذيتهم النّجسة وطرد المصلين المعتكفين بالقوة. فهبت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة باطلاق التحذيرات لنتنياهو بان القدس "خط أحمر"، وعليه وقف الانتهاكات واطلاق سراح المعتقلين، على لسان قائدها محمد الضيف، وذلك تلبية لنصرة القدس واستجابة لنداء اهلها ونسائها اللاتي صرخن طلبا للنجدة وإنقاذهن من براثن قوات الاحتلال. وبالطبع عنجهية وتعصب وعنصرية نتنياهو واستقوائه بالالة العسكرية المتغطرسة منعته من اتخاذ قرار بالتهدئة، ووقف مسيرة المستوطنين المتطرفين نحو المسجد الاقصى، ومن غبائه كان يعتقد بان هذا التصعيد ربما يخرجه من مأزقه السياسي بعد فشله في تشكيل حكومة لمدة سنتين، او يكسبه مزيدا من اصوات المتطرفين. ولكنه أساء تقدير الموقف، ولم يأخذ بالحسبان جدية تهديدات المقاومة في غزّة وللصواريخ التحذيرية والتي اتخذها استهزاءً وهُزُواً.

3- وبدأت الحرب.. فسارع الشعب الفلسطيني فورا بتوحيد صفوفه من غزة، والقدس، والضفة الغربية، الى اراضي 84 المحتلة وفلسطينو الشتات حول القضية الفلسطينية المختزنة في الذاكرة ولم تنسى بالتقادم - بعد 73 سنة من النكبة باغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة الغزاة – فأيدوا خيار المقاومة بكل أشكالها واحتضنوا كافة فصائلها والتفوا حول قياداتها لخوض معركة "سيف القدس"، للذوذ عن القدس ومقدساتها والدفاع عن كرامة شعبها.

4- ومن احدى نتائج الحرب.. انها أسقطت حواجز تقسيم فلسطين المحتلة، بعد خطط تجزئتها وتكبيلها باتفاقيات كامب ديفيد، واوسلو، ووادي عربة، والتنسيق الامني بين السلطة والكيان.. كما انها رأبت صدع الانقسام الداخلي واعادت الحسّ الوطني والانتماء للارض، وتوحد الشعب الفلسطيني حول قضيته الاولى وعاد الى مواجهة المحتل بالسلاح، وعادت الى الواجهة العالمية كقضية مركزية موحدة، اكتسبت تعاطف الحملات الدولية وتضامن الشعوب العربية والإسلامية واحرار العالم من خلال المسيرات الضخمة الداعمة التي انطلقت في معظم الدول، مما جددت الآمال والتفاؤل بقرب آفاق التحرير وتحقيق النصر العاجل.. بعدما طغى شعور الانحسار والنسيان وتنامى شعور الاحباط والخيبة والانهزام.. أمام خيانة التطبيع من قبل حكام الخليج والعرب الذين أتخذوا الصهاينة عَضُدا، وصمت الانظمة العربية الذين وقفوا على الحياد خوفا على عروشهم، وتماهوا مع مشروع "صفقة القرن" الترامبية، لغاية تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها.

5- من فصول الحرب الجديدة.. استطاعت المقاومة في غزة قصف كافة مستعمرات الصهاينة وعلى طول الجبهة الداخلية مما أرعبت سكانها وإجبرت 80% منهم الاختباء بالملاجىء مذعورين، وباتت صواريخها تنهمر كالمطر على عاصمتهم "تل أبيب"، مركز ثقلهم السياسي والاقتصادي لاول مرة في تاريخ "إسرائيل"، والحقت بها دمار وحرائق وخسائر اقتصادية وبشرية كبيرة.. مما هشّمت صورتها الاسطورية، وأسقطت هيبة جيشها الذي لا يقهر، ومرّغت أنفها بالتراب، وكسرت شوكتها وجبروتها، وأذاقتها الذلّ والهوان والانكسار.

6- العدو الصهيوني في مأزق تاريخي.. لاول مرة في تاريخه يكون عاجزا عن إتخاذ قرارا عسكريا في خوض معركة برّية مع المقاومة في غزة رغم حصارها.. فكيف لو دخل حربا مع محور المقاومة مجتمعا بامكانياته المتطورة وعمقه الجغرافي الاستراتيجي. ومما زاد من خيبته فشل القبة الحديدية ومنظوماته في تأمين الحماية لسكانه لعجزها عن صدّ صواريخ غزة التي اخترقتها – مما اظهر تفوق العقل الفلسطيني على العقل الصهيوني – حيث باتت كل "إسرائيل" معطلة وكافة المطارات والموانئ والشركات والمدارس والجامعات والفنادق مقفلة، واصبحت معزولة عن العالم، ومما زاد من هزيمتها هبوط الشيكل امام الدولار، وانهيار مؤشرات البورصة والاقتصاد، حيث ذكرت صحيفة "غلوبس" الصهيونية بان الضرر التراكمي للاقتصاد والخسارة فاقت 300 مليون دولار يوميا.

7- بدأ الحلم الصهيوني ينهار.. هذا باعتراف قادتهم ونخبهم وكتّابهم في صحيفة "هآريس"، حيث قال الكاتب الصهيوني الشهير "أري شبيت": "ان دولة إسرائيل تلفظ أنفاسها وهي تغرق.. يجب توديع الاصدقاء والانتقال الى اوروبا وامريكا..". وقال الكاتب الصهيوني "جدعون ليفي": "اننا نواجه اصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال". وقد أضاف بان "إسرائيل" تعيش في فوضى، وان النهاية قريبة كدولة.. ودعا الاسرائيليين للهجرة الى أوروبا لانهم اصبحوا بلا حماية. وتقول الدكتورة ادليت وايزمان استاذة التاريخ في الجامعة العبرية: "لقد صدق من قال ان إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، كفاكم خداع وكذب يا قادتنا وأقروا بالهزيمة، فهذه مع غزة فقط فكيف لو كانت حرب مع حزب الله والصواريخ الدقيقة والمتطورة". لذلك اصبح الكيان الصهيوني هشيما تذروه سهام الحقّ ورياح الثورة وآفاق الصواريخ.

8- وكما تنبأ الشهيد الإمام موسى الصدر منذ حوالي 50 سنة.. بمقولته الشهيرة: "إسرائيل شر مطلق ويجب إزالتها من الوجود"، لانها عنصر عدواني تخالف المسيرة الانسانية والمبادىء الدينية، وتنتهك قيم العدالة وحقوق الانسان، وهي عدو دائم للانسانية وخطر حقيقي للاستقرار والسلام العالمين.. يشهد عليها تاريخها الحافل بالجرائم البشعة من مجازر دير ياسين وكفر قاسم وخان يونس.. الى مجازر مخيمات جنين وقانا وصبرا وشاتيلا.. ولم يردعها احد من ارتكاب المزيد من المجازر في غزة وقتل المدنيين من الاطفال والنساء والشيوخ والتي ترقى الى جرائم حرب وإبادة جماعية.. في محاولة يائسة للتغطية على هزائمها المتوالية. ومع دخول هذا الصراع تحولا استراتيجيا جديدا بفضل ضربات المقاومة وصواريخها الثقيلة وتراكم قوة محور المقاومة وتعاظم خبراتها وقدراتها، ها ذا بدأ العد التنازلي لزوال "إسرائيل" من الوجود باذن الله تعالى.

أمام هذه الإنجازات والانتصارات العظيمة، على قاعدة: (المقاومة تزدهر وتنتصر، و"إسرائيل" تنحدر وتنحسر)، لا يسعنا الا ان نوجه تحية شكر وتقدير الى إيران وسوريا ومحور المقاومة، والدعوة بالرحمة والمغفرة لقادته الشهداء (وبالاخص القائد سليماني) الذين مضوا على طريق القدس، والذين أمدوا مقاومة غزّة بالعتاد العسكري، والتدريب والتصنيع والتجهيز.. كما نوجه تحية إكبار وإجلال الى الشعب الفلسطيني البطل وانتفاضته المباركة ومقاومته الباسلة، وصموده وثباته في محاربة هذا العدو الصهيوني الغاصب المحتل.