لندن – د. أحمد الزين – باحث في الشأن السياسي – الاحد 2-5-2021----

نعيش في رحاب شهر رمضان هذه الايام، في اجواء روحانية ننهل من بركاته، ثواب الصيام والقيام، وتلاوة القرآن الكريم، وأحياء ليالي القدر العظيمة طمعا في رحمة الله ومغفرته ونيل رضاه ورضوانه. وفي ضوء انشغالنا بالعبادة والطاعة،

تمر علينا ذكرى معركة بدر الكبرى في 17 رمضان من العام الثاني للهجرة النبوية أول معركة بين المسلمين وبين المشركين، التي كانت بين الإسلام والتوحيد والحق بقيادة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب (ع) وبين الجاهلية والشرك والوثنية والباطل بقيادة أبي جهل وابي سفيان، والتي كانت بداية لتأصيل الجهاد والقتال والمواجهة مع أعداء الإسلام في نفوس المسلمين في سبيل الله تعالى، والتي قدمت دروساً وعبرًا كثيرة في البطولة والشجاعة والتضحية والشهادة، والإيمان بالوعد الإلهي بالنصر، والصمود والثبات والصبر.. ورغم ان جيش المشركين كان ثلاثة أضعاف جيش المسلمين (313 بدريا مقابل ما يقارب ألف من المشركين)، إلا أنّ النصر كان حليف المؤمنين.. وقتل ابي جهل، وفرح رسول الله (ص) وقال: " إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل، فالحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده.. "، بتقوية قلوبهم، وبما أمدّهم به من الملائكة وبإلقاء الرعب في قلوب المشركين - في حين كان المسلمون قليلي العدد ضعفاء عن المقاومة - وبتثبيت دين التوحيد وإحقاق الحقّ وإقامة العدل على الأرض.

وكما قال كفار قريش لرسول الله محمد (ص) يوم معركة بدر: أننا جمع منتصر واننا غالبون، فغُبلوا وولوا الادبار.. واليوم يقولون الصهاينة: "اننا جمع قوم ذو قوة جبارة لا نُغلب ولا نُكسر ونملك جيشا لا يُقهر". رغم إدعائهم إمتلاك القوة، تراهم من خوفهم ورعبهم يطلقون التهديدات الى سكان لبنان وغزة فيقولون: *"غادروها فهي مشبعة بالصواريخ وستغمرها هجماتنا".* كما تراهم من قلقهم وعجزهم يهددون إيران على لسان رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني، أفيف كوخافي يقول: *"جيش بلاده يجدد خطط العمليات المرسومة لمواجهة إيران وأن عودة امريكا للاتفاق النووي المبرم في 2015 ستكون خطئا".*

تهديدات قادة الصهاينة الجبناء تدلّ على ان كيانهم الغاصب يعيش في حالة من القلق والخوف الشديدين من عودة الاتفاق النووي بين إيران وإدارة بايدن، وان نتنياهو وحكومته الضعيفة المنقسمة في حالة من التخبط والاضطراب والتناقض لمعرفتهم مسبقا بعجزهم عن تنفيذ اي من هذه التهديدات العسكرية، لذلك يحاولون إخفاء هذا الرعب والرهب وراء التهديدات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وهذه الإيحاءات والتلويحات البهلوانية تأتي في سياق الحرب النفسية والاعلامية ورسالة استباقية الى إدارة بايدن لأثناها (صرفها عن) العودة الى الانفاق النووي مع إيران، كما يفهم بانها ناجمة عن الخوف الشديد وحالة الترقب والانتطار القاتل من إنتقام إيران الحتمي وردّها الصاعق الذي توعّدت به بعد إغتيال قادة النصر الشهيدين قاسم سليماني وابو المهدي المهندس والشهيد العالم النووي محسن فخري زادة حتى لا يفكر أحد أن يقوم بمثلها في المستقبل.

ولا نعتقد جدّيا بوجود اي خطر محتمل او احتمال لأي حرب أو عمل عسكري ضد إيران في المدى القريب، بسبب قوة إيران المتعاظمة وصمود حركات المقاومة اليقظة واستعدادهم للردّ السريع والحاسم والمدمر والمزلزل لإي إعتداء غاشم او مغامرة طائشة من العدو الصهيوني، كما نستشرف من التجربة السابقة لإيران في ضربة ردّ الاعتبار وقصف قاعدة "عين الاسد" الامريكية بقرار حكيم وشجاع لا مثيل له في تاريخ حروب امريكا الطويلة.

وقد أثبتت التجارب السابقة والمعارك الماضية بان من يهدد ويرعد ويطلق التصريحات الغثائية كغثاء السيل ويستعرض عضلاته وتكون اقواله اكثر من أفعاله هو الضعيف العاجز والخائف المرتعب، وهذا ما ثبت فعلا بان ما يسمى دولة "إسرائيل" الغاصبة المحتلة لأرض فلسطين هي "أوهن من بيت العنكبوت". ورأينا كيف تقهقر العدو الصهيوني خلال إحتلاله جنوب لبنان سنة 2000.. وكيف أُستنزفت قوته في حرب تموز 2006، وكيف تشتت جمعه وانهزم جيشه وولّوا الادبار ولملموا قتلاهم وجرحاهم وعَلَا صراخهم وعويلهم وزاد خوفهم وقلقهم وضعفت معنوياتهم وتزعزعت ثقتهم بضمان تأمين أمن المستوطنات، فكيف اذا نُقلت المعركة الى داخل الكيان بفعل الصواريخ الدقيقة والمسيرات الحديثة، وعاد سيناريو التهديد الوجودي للكيان الصهيوني من جديد.. كل ذلك تحقق بفضل الله تعالى على أيدي ثلة قليلة من المجاهدين المؤمنين الذين آمنوا بربّهم وبالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقتدوا بسيرته الشريفة - وبما جاء من قصص وعُبر وأخبار في القرآن الكريم مثل غزوات بدر وأحد والخندق وتبوك وحنين وبني قينقاع وخبير والطائف.. التي انتصر فيها المسلمون بقليل من العدة والعتاد - فبإيمانهم الثابت وجهادهم بقدراتهم الذاتية وبعدالة قضيتهم، ثاروا ضد الظلم والطغيان والاحتلال والهيمنة والغطرسة والتهديد والترهيب من العدو الصهيوني.

فانتصر لبنان وانتصرت غزة وصمدت مقاومتهما وتوحد شعبهما حول المقاومة وحُررت الارض والاسرى وحققوا النصر الألهي والانتصار تلو الانتصار، ومُني العدو الصهيوني المعتدي بالهزيمة تلو الهزيمة، والخيبة تلو الخيبة، وحقق المقاومون الابطال المجد والعزّة والكرامة لأمّتهم.

وأخيرا، أنكفأ العدو الصهيوني عن لبنان وغزة، مهزوما منكسرا ذليلا، يجرّ أذيال الخيبة والخسران، وتحطّمت معه وبال الهيبة والعنفوان، وعادت الأرض الى اهلها الامنين والسيادة الى الوطن وساد الامن والاستقرار والطمأنينة، من حينه الى وقتنا الحاضر، بفضل الله تعالى وفضل دعم إيران اللامحدود وبفضل جهود وتنسيق الشهيد قاسم سليماني الذي عمل على بناء أستراتيجية توازن الرعب، وتفعيل معادلة توازن الردع في لبنان وغزة، وبفضل دعم الاحرار والشرفاء، وبفضل قوة لبنان وتحالفه الوطني الىي كرستها المعادلة الذهبية الثلاثية: الشعب والجيش والمقاومة.

ولا تزال استراتيحية الدفاع وخيار المقاومة من قبل محور المقاومة فاعلة وناشطة لهدف تحرير فلسطين وباقي الاراضي العربية المحتلة في مزارع شبعا وكفرشوبا والجولان من قبل العدو الصهيوني الغاشم، ولا تزال مسيرة المقاومة والتحرير مستمرة بدأب وعزم وصمود وتصميم أكبر وبارادة أقوى وعزيمة اشد في التوجيه والإعداد والاستعداد والتحضير والتدريب والتصنيع بشكل تصاعدي ادى الى تعاظم القوة والقدرة والاقتدار وتراكم الخبرات والطاقات..

ما يدلّ على ذلك هو سقوط الصاروخ السوري المتطور على مفاعل ديمونا النووي، الذي اخترق القبة الحديدية الاسرائيلية، والتي لم تستطع كل الدفاعات والانظمة الجوية الاسرائيلية من استهداف الصاروخ او إيقافه.. وهذا ما يبرهن بان الصبر الاستراتيجي التي انتهجته سوريا ومحور المقاومة على مدى سنوات والذين تحملوا فيها كل هذه الاعتداءات والغطرسة الصهيونية دون ردّ، قد أتت أكلها، وخلق توازن رعب وردع وحسبان الف حساب لاي مغامرة عسكرية إسرائيلية في المستقبل، بعد ان اصبحت كل الاهداف الحربية الحساسة ومنشآتها الحيوية تحت مرمى نيران محور المقاومة، وتحت تهديد الاستهداف والقصف والدمار والمواجهة المباشرة.. اذا ما فكرت "إسرائيل" يوما العبث بأمن واستقرار شعوب المنطقة ودولها.

كل هذا الاستعدادات والمناورات والخطط والتصنيع.. وتطبيق مبدأ الإعداد القرآني: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ..}، هو من اجل استرجاع بقوة الحق كل شبر من ارض فلسطين أُخذ بقوة الباطل والإرهاب والترهيب والاستقواء والاستعلاء.. وإسترجاع الارض المغتصبة والحقوق الى أهلها، أيمانا بالوعد القرآني: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وعد الله حقا وعد غير مكذوب، وهو الوعد الالهي الموعود بزوال كيان "إسرائيل" من الوجود.