لندن – د. أحمد الزين – الاحد 9-5-2021---

في رحاب أواخر أيام شهر رمضان المبارك، نعيش اجواءً إيمانية وروحانية ننهل من بركاته وأنواره، ثواب الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وأحياء ليالي القدر العظيمة طمعا في ان تشملنا رحمة الله ومغفرته،

ونيل رضاه ورضوانه، والفوز بسعادته وجائزته، ونعمآئه وجناته. وفي ضوء انشغالنا بالعبادة والطاعة، تمر علينا ذكرى غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان من العام الثاني للهجرة النبوية، وهي أول معركة بين المسلمين وبين المشركين، التي كانت بين الإسلام والتوحيد والحق بقيادة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب (ع) وبين الجاهلية والشرك والوثنية والباطل بقيادة أبي جهل وابي سفيان من ورائهم، والتي كانت بداية لتأصيل الجهاد والقتال والمواجهة مع أعداء الإسلام في نفوس المسلمين في سبيل الله تعالى، والتي قدمت دروساً وعبراً كثيرة في البطولة والشجاعة والتضحية والشهادة، والإيمان بالوعد الإلهي بالنصر، والصمود والثبات والصبر.. ورغم ان جيش المشركين كان ثلاثة أضعاف جيش المسلمين (313 بدريا مقابل ما يقارب ألف من المشركين)، إلا أنّ النصر كان حليف المؤمنين.. وقتل ابي جهل، وفرح رسول الله (ص) وقال: "إن الله قتل فرعون هذه الأمّة أبا جهل، فالحمدلله الذي صدق وعده ونصر عبده.. "، والحمدلله الذي أعزّ جنده بتقوية قلوبهم، وبما أمدّهم به من الملائكة وبإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم المشركين، وأكرمهم بالنصر الإلهي - في حين كان المسلمون قليلي العدد ضعفاء عن المقاومة – وذلك لتثبيت دين الإسلام والتوحيد وإحقاق الحقّ والقضاء على الظلم وإقامة العدل على الأرض.

وكما قال كفار قريش لرسول الله محمد (ص) يوم معركة بدر الكبرى: "أننا جمع منتصر واننا غالبون"، فغُبلوا وولوا الادبار.. واليوم يقولون قادة الصهاينة: "اننا جمع قوم ذو قوة جبارة لا نُغلب ولا نُكسر ونملك جيشا لا يُقهر"، ورغم إمتلاكهم القوة، تراهم من خوفهم ورعبهم.. يطلقون التهديدات تلو التهديدات الى سكان لبنان وغزة وأهالي القدس مرددين: "غادروها فهي مشبعة بالصواريخ وستغمرها هجماتنا..". كما تراهم من قلقهم وعجزهم وخيبتهم يطلقون مزيدا من التهديدات الى إيران على لسان رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني، أفيف كوخافي يقول: "جيش بلاده يجدد خطط العمليات المرسومة لمواجهة إيران وأن عودة امريكا للاتفاق النووي المبرم في 2015 ستكون خطئا".

هذه التهديدات لقادة الصهاينة الغزاة تدلّ على ان كيانهم الغاصب يعيش ازمة وجود، فهو في حالة من الانقسام السياسي الحاد بسبب فشلهم بتشكيل حكومة على مدى سنتين وهم يعيدون الانتخابات دون جدوى، ويعانون من القلق والخوف الشديدين من عودة امريكا الى الاتفاق النووي الايراني، وحكومة نتنياهو تعاني التخبط والاضطراب والتناقض ليقينهم بعجزهم عن تنفيذ اي من هذه الضربات العسكرية الموعودة، ويحاولون إخفاء هذا القلق والرعب وراء تهديدات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع. وكل هذه الإيحاءات والتلويحات بإشعال فتيل الحرب في المنطقة، تأتي في سياق الحرب النفسية والاعلامية ورسالة ضمنية لبايدن لأثناه العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، كما تفهم بانها ناجمة عن الخوف الشديد وحالة الترقب والانتطار القاتل من إنتقام إيران الحتمي الذي توعّدت به بعد إغتيال الشهيدين سليماني والمهندس والعالم النووي زادة، وردها على عدوان هذا الكيان الصهيوني باستهداف علمائها وسفنها ومنشآتها..

ورغم توقعات المحليين والمراقبين والحملات الاعلامية المعادية بتدحرج الامور نحو حرب محتملة، فان كل المعطيات الواقعية والظروف الموضوعية تستبعد الاحتمالات بوقوع اي حرب أو اي عمل عسكري ضد إيران، بسبب تنامي قوة إيران وتطورها واقتدارها، وثبات وصمود وعزيمة محور الممانعة، وتعاظم وتراكم قوة حركات المقاومة، وزيادة الوعي واليقظة لدى بيئتهم الداعمة، واستعداد محور المقاومة للردّ السريع الفوري والحاسم والمدمر والمزلزل لإي إعتداء غاشم او مغامرة طائشة من العدو الصهيوني.. وهذه ما نستدل عليه من واقع التجربة السابقة لإيران في الانتقام المبدأي وضربة ردّ الاعتبار وقصف قاعدة "عين الاسد" الامريكية بقرار حكيم وشجاع لا مثيل له في تاريخ حروب امريكا الطويلة، وقرارها المستجد بتوجيه الضربات الردعية في قلب كيان العدو لمعاقبته على تماديه وغيّه وعتوه وعلّوه..

وقد أثبتت تجارب التاريخ الحافل بالازمات والصراعات بان من يهدد ويرعد ويطلق التهديدات المتكررة والتصريحات الغثائية كغثاء السيل ويستعرض عضلاته وقوته الوهمية وتكون اقواله اكثر من أفعاله هو الضعيف الخائف والمرتعب المرتقب العاجز، وهذا ما ثبت ميدانيا بان ما يسمى دولة "إسرائيل" الكبرى المحتلة لأرض فلسطين هي أضعف و"أوهن من بيت العنكبوت". ورأينا كيف تقهقر هذا العدو خلال إحتلاله جنوب لبنان سنة 2000.. وكيف أُستنزفت قوته في حرب تموز 2006، وكيف تشتت جمعه وانهزم جيشه وولّوا الادبار ولملموا قتلاهم وجرحاهم وعَلَا صراخهم وعويلهم وزاد خوفهم وقلقهم وضعفت معنوياتهم وتزعزعت ثقتهم بقياداتهم لعدم قدرتهم على تأمين أمن مستوطناتهم وحماية جبهتهم الداخلية، وخصوصا الان بعد دخول عامل الصواريخ الدقيقة والذكية والمسيرات الحديثة المتطورة، فكيف اذا فُتحت كل جبهات محور المقاومة في آن معا على طول حدود فلسطين المحتلة في اي مواجهة قادمة..

والحدث الابرز على خط القلق الصهيوني المتزايد، هو سقوط الصاروخ السوري المتطور على مفاعل ديمونا النووي، الذي اخترق منظومة الباتريوت و"القبة الحديدية" الاسرائيلية، والتي لم تستطع كل دفاعاته وانظمته الجوية من اعتراضه او إيقافه.. وها ذا الكيان الغاصب يعيش أزمة وجود جديدة بعدما كان يعتبر بانه اكثر دول العالم قدرة وتطورا في مجال الدفاع الجوي والبري والبحري.. والذي كسر هذا التفوق وخرق هذ الردع هو الصبر الاستراتيجي والسياسة الذكية التي انتهجتها سوريا ومحور المقاومة على مدى سنوات والذين تحملوا خلالها الكثير من الاعتداءات العسكرية والعربدة الجوية والغطرسة الصهيونية مع تأخير الردّ والانتقام. هذا التكتيك قد آتى أكله، وخلق توازن رعب وردع من نوع جديد.. يحسب لها الف حساب في اي مغامرة عسكرية إسرائيلية في المستقبل، بعد ان اصبح بنك الاهداف الحربية والحساسة ومنشآتها الحيوية تحت مرمى نيران محور المقاومة، والتهديد المباشر بالقصف والدمار.. اذا ما فكرت "إسرائيل" يوما العبث بأمن واستقرار المنطقة.

واليوم العدو الصهيوني يعاود اعتداءاته على شباب القدس المحتلة وعلى المصلين في المسجد الاقصى لمنعهم من إحياء "يوم القدس العالمي" في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك ولكسر إراداتهم وصمودهم.. ويجدد محاولاته اليائسة لاقتلاع الفلسطينين من حي الشيخ الجراح لتهجيرهم من أرض أجدادهم لتهويد القدس الشريف. وكل هذه الاجراءات التعسفية والمناورات الحربية والاستعدادات لرفع معنويات جيشه المنهارة والحفاظ على جهوزيته لتخويف وإرهاب شعوب المنطقة.. لن ترأب الصدع والردع، ولن تنفع ولن تشفع له، ولن تخفف عنه روعه وقلقه ورعبه.. ولن تخفض منسوب التهديد الوجودي المتصاعد لهذا الكيان الصهيوني المصتنع.. ولن تلغِ من حتمية زوال نظامه الظالم الغاصب من الوجود.. وإستعادة الحقوق الفلسطينية ونصرة الشعب المظلوم المحروم من أرضه.. وعد الله حقا وعد غيرمكذوب في التوراة والانجيل والقرآن.