لندن - د. أحمد الزين – إفتتاحية مجلة (أفكار وآراء) – عدد 131 – الصادرة عن الجمعية الثقافية اللبنانية في بريطانيا - 31-01-2019---
من جديد، تطفو قضية الإمام موسى الصدر ويتم إستغلالها في القمة العربية الاقتصادية، بعد 40 سنة على إختطافه في ليبيا على يد القذافي المقبور!! ومع موت الاخير وتقادم الزمن زادت حقيقة إختفائه غموضا، وظهرت تعقيدات في الروايات المتضاربة قاربت الاساطير، وباتت إجلاء لغز الإخفاء مستحيلة، ورجّحت أخبار موته بين التأكيد رسميا والنفي عاطفيا والتبني منظقيا والتمني إنسانيا !!
وقد ترك غيابه كقامة وطنية ومصلح وقطب سياسي فاعل تداعيات على مصير لبنان: فأختفت دولة المارونية السياسية الواحدة، وظهرت عدة دويلات طائفية ومربعات أمنية.. وتفككت الاحزاب الوطنية واليسارية واليمينة المتصارعة في الحرب الاهلية، ونمت أحزاب سياسية طائفية مذهبية عائلية مناطقية.. التي استبعدت بعض رجال الإقطاع والعائلات الحاكمة القديمة، وتمّ أستبدالها بزعماء إقطاعية جديدة أكثر فسادا وتسلطا واستبدادا وتشبثا وإستئثارا بالحكم..
وساهمت عقيدة ونهج وفكر الامام الصدر في إنقاذ لبنان من براثن القبضة الاسرائيلية بفضل جهاد انصاره الأوائل، وغيّرت مسارات دول واحزاب في المنطقة من خلال زرعه ثقافة العيش المشترك وبذور المقاومة التي نمت حزبا مقاوما جديدا، وانتجت ورقة التفاهم.. واستطاع ومحور المقاومة من الانتصار على العدوين الإسرائيلي والتكفيري، الذي أثمر تحريرا ومعادلة ذهبية وقوة أقليمية.. حمت لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن من الانهيار والإرهاب والسقوط في معسكر الشرّ السعودي والهيمنة الصهيونية والاستكبار الامريكي.
ولكن بالمقابل، كان أكثر المتضررين من غياب الامام الصدر بعد تولي قيادة بديلة لـ ”الحركة“ هم شيعته الذين دفعوا ثمنا باهظا بسبب إنقسام بيئتها وإنحراف سلوك أتباعها وسوء سمعة أنصارها وإنحسار مؤيديها.. حيث طغت عليها قيادة إقطاعية جديدة إنتفاعية عنيدة، أعادوا زمن إحتكار السيد للعبيد، وكرسوا صنمية الرجل الواحد وعبادة الزعيم، وحوّلوا حركة المحرومين الإيمانية الى حركة سياسية مناصبية علمانية عنصرية مناطقية عائلية، وإتّبعت سياسة فرّق تسد وشريعة الغاب، وقرّبت قيادات قومية شيوعية ارستقراطية، وأختارت اخرى غير كفوءة لا تلتزم بأدبيات الدين، واستبعدت القيادات المؤمنة الكفوءة بمقولة ”إزدواجية الولاء“، وفشلت في إستقطاب الطاقات ونخب العلم والفكر، وتبنت لائحة من المحسوبين والمستفيدين والمستثمرين لدرجة جعلت الكثيرين منهم متقاعصين ومستغلين وفاسدين وشركاء في نهب مقومات الوطن والمواطن، ومتواطئين لعدم قيام دولة القانون عبر سلوكهم المليشوي إبتغاء الإثراء عبر استغلال قضية الصدر وتسويفها على حساب حرمان الطائفة وعدم إعلاء شأنها واستغباء العقول بشعارات زعامية دعائية..
ولنرتقي الى مصافي الشعوب الحرة ولنتقدم فكريا وعلميا لا بد من التحرر من الهيمنة الحزبية وتحرير العقل من التبعية والرغبات، وجعل قضية الصدر على سلم اولويات القضايا الوطنية وفصلها عن التجاذبات السياسية مع وجوب تقديم مصلحة الوطن اولا، والإيمان بحتمية القضاء والقدر والتسليم بنهاية الامر بأن مصير العظماء والمصلحين والقادة هو أم الاعتقال والسجن او الإغتيال والموت، بينما يبقى أثار فكرهم وعطائهم وجهادهم ناصعا مشعا في صفحات التاريخ، خالدا على مرّ الزمان.. وها الصدر يبقى منارة وعلما وقدوة ونورا ساطعا في سماء الوطن حياً كان أم ميتاً..